السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الابتلاء بالخيـــرات والنعم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
فإن الإنسان منذ وجد على وجه الأرض، وجرى عليه قلم التكليف في ابتلاء وامتحان واختبار وفتنة.
قالتعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْأَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)
وقالسبحانه: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّاوَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْفَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّالْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3)
وقال جل شأنهوَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)
وقديظن كثير من الناس أن الابتلاء هو فقط بالمحن والشدائد والمصائب، وهذا غيرصحيح؛ لأن البلاء كما يكون بالشر والشدائد والمصاعب والمحن فإنه كذلك يكونبالخيرات والنعم.
قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِوَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الأنبياء:35)
وقال سبحانه: ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الأعراف: من الآية168)
وقال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15)
وقال: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:28)
وهذاالامتحان بالنعم والخيرات لا ينتبه له إلا من وفقه الله تعالى ، كما كانمن نبي الله سليمان عليه السلام حين سمع النملة تحذر قومها الهلاك إن لميدخلوا مساكنهم فاستشعر النعمة وسأل ربه النجاح في الاختبار بالتوفيقللشكر: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيأَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّوَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِيعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19).
ولما جاء عرش ملكة سبأ مناليمن إلى الشام في أقل من طرفة عين: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّيلِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَايَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّكَرِيمٌ)(النمل: من الآية40)
ولأن كثيرًا من الناس لا ينتبه لكونهمبتلىً بالنعم فقد أخبر الله عن آل داوُد أنه آتاهم النعم العظيمة، وطلبمنهم القيام بشكر هذه النعم ، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَمِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُالْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِوَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَالرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَالْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِرَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِالسَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَوَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَشُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سـبأ:10-13)
وقالصلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابتهسراء فشكر كان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له).
ولهذاكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو بُشِّر به خرَّساجدًا؛ وهكذا فعل أبو بكر حين أتاه نبأ بعض الفتوحات في عهده.
فهل من شكر النعم يا عباد الله لمن آتاه الله الصحة والقوة أن يتجبر بهما على خلق الله بغير حق؟
هل من الشكر أن نستخدم المال الذي رزقنا الله في معاصيه؟
هل من الشكر لمن آتاها الله الجمال أن تنزع حجابها وتستعمل جمالها في فتنة الخلق وإغوائهم وتشجيعهم على الفجور والفواحش؟
هل من الشكر لمن مكنه الله في الأرض أن يبتعد بالناس عن شرع الله وأن يجور ويبتعد عن العدل؟
هل من الشكر لمن ولَّاه الله ولاية إدارةً أو غيرها أن يتسلط على الناس ويشق عليهم؟
لاشك أن هذا كله ليس من الشكر الواجب عند الابتلاء والاختبار بهذه النعم،وإن هذا الجحود والنكران والرسوب في الامتحان قد يكون بابًا لزوال هذهالنعم عن أصحابها أو العذاب الشديد بسببها يبن يدي الله تعالى فتكون هذهالنعم في الحقيقة نقمة على أصحابها.
وانظر إلى قارون الذي آتاهالله أصناف المال والخيرات والكنوز فلم يقم بشكرها ماذا كانت عاقبته؟قالالله تعالى: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُمِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَالْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُبِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْيَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَالَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص:81-82)
وكيف كانت عاقبة أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة يس؟.
إنها عبر وآيات يسوقها الله لعباده لينتفعوا بها وليعلموا أنهم مبتلون بالنعم كما قد يبتلون بالشدائد والمحن.
وهؤلاءثلاثة نفر (أبرص، وأقرع وأعمى) من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم فأرسلإليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحبُّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌحسنٌ ، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. فمسحه فذهب قذره ، وأُعطيلونًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. فأعطي ناقة عُشراء.فقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعرحسن ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا.قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك اللهلك فيها.
فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد اللهإليَّ بصري فأبصر الناس. فمسحه فرد الله إليه بصهر. قال: فأي المال أحبإليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاةً والدًا. قال: بارك الله لك فيها.
فأنتجهذا وولّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍمن الغنم. ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين قد انقطعتبي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاكاللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوقكثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله؟فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، قال إن كنت كاذبا فصيرك اللهإلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأقرع فقال له مثل ذلك ، فرد عليه كما رد الأبرص، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأعمى فقال لهكم قال للاثنين ، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري . فخذ ماشئت . ودع ما شئت . فوالله ! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله .
فقال : أمسك مالك . فإنما ابتليتم . فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك!.
فهلعرفتم أيها المسلمون أننا نبتلى بالنعم ليتبين الشاكر من الكافر؟!وأنالواجب علينا تجاه نعم الله أن نشكرها ونشكر من أجراها الله لنا علىيديه؟!!.